https://www.traditionrolex.com/8


الموظّفون سيعطّلون السبت ويتوقّفون الجمعة والمتزوّجات بـ"نصف دوام"... كيف تُنجَز المعاملات؟


On 23 July, 2017
الموظّفون سيعطّلون السبت ويتوقّفون الجمعة والمتزوّجات بـ"نصف دوام"... كيف تُنجَز المعاملات؟

. ‎ليست أكذوبة، إنها حقيقة؛ المرأة اللبنانية الموظفة في القطاع الرسميّ بات يحقّ لها العمل وفق دوامٍ جزئيّ خلال السنوات الثلاث الأولى التي تلي زواجها، وإن كانت آلية تطبيق قرارٍ كهذا "مشروطة". أما السبت، فعطلة جماعية. ما مفاده أن كل من كان ينتظر نهاية الأسبوع لينجز معاملة، سيصطدم بالواقع الجديد. أما يوم الجمعة فيتوقف الموظفون ساعتين عن عملهم، يذهبون لأداء الصلاة، ويرجعون لينتظموا في الدوام. تعديلاتٌ كهذه، تصرف في ميزان الأيام الأربعة الأولى من الأسبوع، إذ مُدّد دوام العمل حتى الثالثة والنصف من بعد الظهر. ساعات العمل أضحت 35 أسبوعياً بدلاً من 32. 

هذه المعادلة المستجدّة يشرحها لـ"النهار" النائب غسان مخيبر معتبراً أنه "في مقابل زيادة الرواتب، من المطلوب أن يحظى الموظف بإنتاج أكبر". هذا ما حتّم إضافة 3 ساعات عمل أسبوعية، مع ضرورة التشديد على حضور الموظف وقتاً أطول. وجاء اعتماد هذا القرار، وفق مخيبر، كي لا يضطر الموظف والدولة على السواء، إلى دفع بدل نقلٍ إضافي يوم السبت، مع تذويب ساعات عمله في أيام الأسبوع الخمسة الأولى

‎وعن صيغة التوقف ساعتين عن العمل يوم الجمعة، يقول: "النوّاب المسلمون في غالبيتهم رأوا أن مدّة ساعتين كافية للصلاة. بعضهم اعترض، ولكنّ النصّ أقرّ بهذه الخلفية لزيادة الإنتاج وخدمة المواطنين بشكل أفضل". أما حق المرأة في دوام جزئي خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، فيتم بموافقة المدير أو المسؤول عن إدارة الموظفين، الذي يحدد أطر القرار بعد دراسة كل حالة على حدة. ما يعني وفق مخيبر أنه إمكان، لا إلزام. 
‎تنسجم التعديلات مع استراتيجية سعت الحكومة إلى تحقيقها منذ سنوات مع الرئيس فؤاد السنيورة الذي أوعز بضرورة ترشيق القطاع العام، وفق ما يؤكد مستشار الأنشطة العمّالية في المكتب الإقليمي لمنظّمة العمل الدولية مصطفى سعيد. ويقول لـ"النهار" إنها "محاولة باتجاه تقليص القطاع العام"، إذ في رأيه، أن كلّ الاستراتيجيات التي اتبعت اخيراً ضاعفت أطر العمل غير النظامي في قلب القطاع العام. ومن الأمثلة على ذلك، توظيف عمّال بالعقود والفاتورة والمياومة والساعة من دون حقوق أو تعويضات أو نهاية خدمة. وتالياً، حرمان كتلة كبيرة من العاملين من حقوقهم الأساسية. 
‎لا يتلاقى سعيد مع إيجابية مخيبر الكاملة في التوصيف، رغم قوله إن القضية تحمل أبعاداً متعددة ولا بدّ من التعمق في قراءة النص وإنّ القانون يحمل مجموعة قضايا متداخلة تنعكس على بنية القوى العاملة. لكنه يضيء على ما يسميها نقاطاً جديرة في قراءتها، منها توحيد الصناديق الضامنة، رغم أنّ بعض الفئات ترى نفسها خاسرة في عملية الضمّ والتوحيد كأساتذة الجامعة، فضلاً عن فرض ضرائب على قطاعات تتهرّب من الدفع كالعقارات والمؤسسات المالية التي لا بد أن تسهم ضرائبياً لتفعيل إصلاحاتٍ نوعيّة لسوق العمل ومالية الدولة. 

‎موظف الدولة "الخمول"
‎لا ينال موظّف الدولة في لبنان ثقة المواطن. وقد يكون في نظر البعض واجهة الفساد المستشري، وعنوان التقاعس والمحسوبية والخمول في آن واحد. وفيما لم تستطع 6 أيام عمل أسبوعية أن تشبع توق اللبناني إلى خدمة جيّدة من موظّفي القطاعات العامّة، فماذا عن 5 أيام إذاً؟ وإذا كان دوام عمل الموظف الرسمي يرهقه ويثير تأففه فيضخّ "سمّه" على التوّاقين إلى "إنقاذ معاملة"، فماذا بعد إضافة ساعة ونصف الساعة إلى دوام عمله اليومي؟ وإذا كان بعض الموظفين المتذاكين، لا يداومون أصلاً، بل يكتفون باستراتيجية "التتكيس ـ المغادرة ـ العودة للتتكيس عند انتهاء الدوام" فهل سيعودون إلى عملهم يوم الجمعة؟ 
‎في رأي مخيبر، أن المسألة مرتبطة بآليات الرقابة. في الإدارات الخاصّة، يحقّ للموظف بساعة غداءٍ يومية. ما يعني أن العملية مرتبطة بكيفية ضبط الدوام لا فقط في النصوص القانونية، والتحدي يكمن في التطبيق لا في النص. ولا تخفى، ودائماً بحسب مخيبر، ضرورة تطوير الدولة اللبنانية وإصلاح الإدارات الرسمية اللذين لا يتمّان بهذه المادّة وحسب، بل بعدد كبير من التدابير التي هي في جزء منها تشريعي أو تطبيقي. 
‎تاريخياً، انتزعت الحركة النقابية في العالم حقّها في العمل 5 أيام في الأسبوع، فيما يعمل القطاع الخاصّ في لبنان 5 أيام بشكلٍ عام مع بعض الاستثناءات. وإذا كانت المسألة لا تقاس في عدد أيام العمل بقدر الإنتاج المرجوّ، فكيف يقرأ سعيد زيادة 3 ساعات عمل أسبوعياً؟ "هم فعلياً زادوا ساعات العمل ولكنهم لم يعطوا بديلاً مادّياً في المقابل. المقترح الأصلي يكمن في تصحيح أجر الموظفين في القطاع العامّ ومعلمي المدارس الخاصّة. وهذا التصحيح تراكم منذ 1996 وتحوّل إلى سلسلة لإعادة ترتيب الأجور". 
‎يصرّ سعيد على أن وظيفة الدولة تتعرّض لحملة تاريخية منظمة في لبنان تطال القطاع العام وتنعته بالسوء، وترى أنّ القطاع الخاصّ هو البديل الأفضل. لكن معادلة كهذه، غير دقيقة في رأيه، إذ إن الإشكال الأساس هو في إدارة المؤسسة لا في من يملكها. الإدارة الفاسدة والمتراخية وغير القانونية نتائجها أسوأ من أي إدارة رسمية، ما يعني أنّ المشكلة الفعلية تكمن في آليات الإدارة المتّبعة والمحسوبية السياسية والعلاقات الزبائنية القائمة والتدخّل السياسيّ واختيار الكوادر الكفوءة، وهذا ما يضعف الرقابة. من هنا لا بدّ من تحسين ظروف العمل المؤدية إلى استقطاب فئات جيدة من العاملين في مكانهم المناسب. 

‎اقتصادياً
‎"إنها مجرّد قرارات شكلية مرتجلة غير مستندة إلى دراسات سابقة، عوّدتنا عليها الإدارة اللبنانيّة منذ انتهاء ولاية الرئيس فؤاد شهاب، وخصوصاً بعد انقضاء زمن الحرب اللبنانية الشعواء". بهذه العبارة يختصر الخبير الاقتصادي الدكتور جورج قرم لـ"النهار" فحوى تعديل دوامات العمل الرسمية. ذلك أن إنتاج الإدارات قد يتدهور، إذ لا يمكن للموظف أن يعمل من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة من بعد الظهر دون انقطاع. سيعنى بالغداء على الأقل، وتتحول الإدارات إلى مطابخ، فيما أنها غير مجهّزة بنيوياً لاستضافة أواني موظفيها. لعلّها مقاربة واقعية ـ ساخرة في آن واحد، مفادها أنها خطوة غير موفّقة اقتصادياً وإدارياً.  
‎فالإنتاج، وفق قرم، وهو قليل للغاية، سيشهد المزيد من التدهور في ظلّ الدوامات الجديدة. ومن غير الطبيعي أن يعمل الإنسان من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة والنصف من بعد الظهر دون أن يأخذ أقساطاً من الراحة. ما يعني أنها عملياً، صيغة غير طبيعية وغير قابلة للتطبيق تؤدي إلى مزيد من تردّي سلوك الموظّف، ترافقها فوضى عارمة. وفي دلالات الاحتكام إلى قرار تعديل الدوام، يقتبس قرم المشهدية التالية عن لسان السلطة السياسية: "أعطينا الموظفين سلسلة، ولكن أخذنا منهم". 
‎وفي احتسابٍ تقنيّ لواقع أيام العمل الأسبوعية، يقول قرم إن الإدارات ستقفل واقعياً من يوم الجمعة الساعة الحادية عشرة ولغاية صباح الإثنين. يوم الجمعة، سيذهب الموظّف إلى الصلاة، لكنّ شكوكاً تعتري عودته إلى عمله، فلا أحد يضمن ذلك في ظلّ غياب الرقابة. فيما يؤثر إقفال الإدارات يوم السبت سلباً على المواطنين الذين لا يملكون وقتاً في منتصف الأسبوع لإجراء معاملاتهم. كما أنّ عدد اللبنانيين الذين بإمكانهم الاحتكام إلى الإنترنت لهذه الغاية قليل، فغالبية اللبنانيين لا يملكون حاسوباً والذين يستخدمونه منهم سيصادفون صعوبات تقنية جمّة في إنجاز المعاملات، حتى المتعلمون منهم، فما أدرانا بالمواطن العادي؟ استطرادٌ كهذا، ناقشه قرم، يبقى في إطار الافتراض، فلا مؤشراتٍ تبشّر أصلاً باعتماد النظام الإلكتروني.  
‎عدّل الدوام أم لم يعدّل، بيت القصيد يكمن في مكان آخر. فغياب الحقّ النقابيّ والحدّ من إطلاق الحرّيات النقابية والقدرة على مفاوضة السلطة وعدم إمكان أداء الموظف دوراً جدّياً من موقعه كعامل في الإدارة، فضلاً عن غياب حق التنظيم النقابيّ، ما يمنع الموظفين من تحسين صورة المؤسسة التي يعملون فيها ومن إنتاجها، كلّها أسلحة منزوعة يحتاج إليها العامل الكادح، قبل يوم عطلة أو حفنةٍ من الليرات. 

 

مجد بو مجاهد

المصدر: "النهار"

 






إقرأ أيضاً

الرهان على الشارع... صرخة "لا للضرائب" اليوم في بيروت
وقفة احتجاجية للكتائب قرب مجلس النواب رفضا للضرائب وتداعياتها

https://www.traditionrolex.com/8